الحقوق محفوظة © مدوّنة علامة إستفهام
الأحد، 23 نوفمبر 2014

الجزائريون من أكثر الشعوب سعادة في العالم! لماذا؟

الجزائريون من أكثر الشعوب سعادة في العالم. خبر تناقله الكثير من الأصدقاء باستغراب,و لكن القليل من التدقيق يزيل تلك التناقضات الظاهرة من الوهلة اﻷولى.
 في رأيي الخريطة مع أنها ليست دقيقة لكنها ليست خاطئة بالكلية و هذا للأسباب التي سأذكرها تحت الخارطة:

خريطة -1-

- السعادة لدى البشر نسبية و ليست مطلقة. هذه الظاهرة تكلم عنها بإسهاب عالم النفس الأمريكي Samuel Stouffer  أثناء دراسته (1) لمعنويات الجنود اﻷمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية, حيث درس 500.000 جندي, و من جملة التناقضات التي صادفها هي أنّ لجنود الشرطة العسكرية انطباعا أكثر إيجابية تجاه عملهم مقارنة مع نظرائهم الجنود في سلاح الجوّ بالرغم من أن مزايا و علاوات عملهم أكثر و راتبهم أفضل, فالسؤال: لماذا جنود الشرطة العسكرية أكثر سعادة من نظرائهم؟. يجيب الكاتب:
"جنود الشرطة العسكرية يقارنون أنفسهم بزملائهم فقط, و في الشرطة العسكرية يعتبر الارتقاء في الرتبة حدثا نادرا و لو تحصلت عليه ستصبح سعيدا جدا, و إن لم تُرَقّى فأنت مثل معظم أصدقائك, فلن تكون أقل سعادة من الجميع. و لكن الوضع مختلف في سلك سلاح الجوّ, فاحتمال الترقية كبير, فان حصل جندي أو ضابط على ترقية فالكثير من أصدقائه قد حصلوا أو سيحصلوا عليها أيضا, و إن لم يكن ذلك فيكون قد فشل في ما نجح فيه غيره و بهذا سيصاب الجندي في سلاح الجوّ بالإحباط".
فكرة Samuel Stouffer هي أننا نقيّم سعادتنا مقارنة بالآخرين المحيطين بنا, فمثلا لو كان أحد ما ذو دخل متوسط يعيش في عمارة يسكنها فقراء أو ناس ذو دخل متواضع نسبيا سيكون سعيدا, بينما نفس الشخص سيكون أكثر تعاسة لو كانت شقته مطلة على فيلا بمسبح و سيارة ميرسيدس مركونة عند المدخل, و الشخص الساكن في الفيلا سيكون أكثر تعاسة لو كان جيرانه مليارديرات و لديهم سيارات فيراري حصرية.
لو لاحظنا الخريطة -1- أعلاه, سنجد أن اللون الأخضر يكسو نوعين من الدول: دول العالم الثالث ذات الأغلبية الفقيرة كدول المغرب كالجزائر و دول دول الشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية و الدول المتقدمة التي يتوفر بها نظام حماية اجتماعية جيّد مثل فرنسا و ألمانيا و الدول الاسكندنافية.و هذا ما سأتحدث عنه في الفقرة التالية.
- هناك أيضا شيء يثير الفضول في موضوع السعادة و التعاسة عند الشعوب, و هو نسبة الانتحار. لطالما نربط ارتفاع نسبة الانتحار بانخفاض مستوى المعيشة لدى الشعوب, و لكن العكس صحيح. فلو تأملنا الإحصائيات الموضّحة في الخريطة -2- فنقارن نسبة الانتحار بين دول غنية و شعوبها تنعم بالرفاهية مثل كوريا الجنوبية أو اليابان أو الدنمارك أو فنلندا مع دول متخلفة و شعوبها تعاني مشاكل كبيرة كدول المغرب أو أمريكا الجنوبية و المكسيك, سنلاحظ أن الدول الغنية هي التي بها أكبر نسب للانتحار, فهل هذا يعني أن العيش في الدول المتخلفة أفضل؟ لا! هي فقط مسألة صعوبة أن يعيش إنسان مصاب باكتئاب في وسط مجتمع كله مبتسم و سعيد. و هذا موضوع بحث: "Dark contrasts: The paradox of high rates of suicide in happy places" لمجموعة من الباحثين في مجلة علمية في الاقتصاد السلوكي (2).

خريطة -2-
 هناك أيضا ظاهرة لافتة للانتباه في نسبة الانتحار التي تتبدل من دولة مجاورة لأخرى, و هذا ما تتعرض له البروفيسورة كارول غراهام Carol Graham  الباحثة و الكاتبة الأمريكية في كتابها " Happiness Around the World: The Paradox of Happy Peasants and Miserable Millionaires".من في رأيكم أكثر سعادة, فقير في الشيلي أو فقير في الهندوراس؟ المنطق يقول الشيلي, فهي دولة اقتصادها جيّد, فدخل الفقير في الشيلي هو ضعف دخل نظيره في الهندوراس و لكن نسبة السعادة في الهندوراس أعلى بكثير منها في الشيلي. لماذا؟ ﻷن الهندوراسيين يقارنون أنفسهم مع مواطنيهم فقط, حيث تقول الباحثة:
 معدّل الدخل الفردي GDP للدول لا يعكس مدى سعادة أو تعاسة شعوبها, بل الابتعاد النسبي في المداخيل بين الأفراد. فالفقير في الهندوراس سعيد لأن دخله ليس بعيدا كثيرا عن متوسط الدخل
  هنا نعتبر أن "الانحراف المعياري" (standard deviation) أهم من المعدّل (Average), فالفقير في الهندوراس أقرب للطبقة المتوسطة عكس نظيره في الشيلي.
 التفسيرات و الاقتباسات أعلاه تعالج الناحية المادّية لهذه الظواهر, و لكن حسب رأيي يجب أن لا نهمل أهمية التفسير المعنوي و خاصة دور الدين. فالكثير من المتدينين يأخذون مصاعب الحياة على أنها ابتلاءات و أنه يجب عليهم الرضا بالقدر, و يلعب عامل الدين دورا أكثر تأثيرا في تقليل نسبة الانتحار, ففي الخريطة -2- نلاحظ أن نسب الانتحار في الدول الإسلامية هي اﻷقل في العالم, و هذا لأنّ الانتحار محرّم شرعا ناهيك عن عقوبتها المذكورة في النصوص. منها الآية:

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {النساء: 29-30 }
 أو الحديث:
رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ:"مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
أما تفسيري أنا (الساخر بالطبع), فأختصره في بيت شعر أبو الطيب المتنبي:
"ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"

شكرا على المطالعة, و نلتقي في موضوع آخر.


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1): The American Soldier: Adjustment During Army Life, vol. 1 of Studies in Social Psychology in World War II (Princeton University Press, 1949), p251.
(2): Mary Daly, Andrew Oswald, Daniel Wilson, and Stephen Wu, 
“Dark Contrasts: The Paradox of High Rates of Suicide in Happy Places”.
رابط الخريطة -1-:   http://www.happyplanetindex.org/data/
 خريطة -2-: مصدرها من ”منظمة الصحة العالمية“
الرابط: http://goo.gl/w2SgPN
  
الأربعاء، 16 أبريل 2014

التعليم العالي في الجزائر: مشوار الطالب الجزائري بين رحلة السلمون و النادي الصحّي للجرذان

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
موضوع هذه المرّة حسّاس و ربّما سيزعزع قناعات العديد من الناس الذي اعتادوا المكوث في منطقة الأمان (The comfort zone) و الإِقتيات على الفتات الفكري مما تجود به بعض وسائل الاعلام الرسمية أو التحليلات العشوائية, و الغرق في المغالطات المنطقية. سأحاول استفزاز العقول و ليس دغدغة المشاعر, لهذا اربطوا احزمتكم معي في هذه التدوينة التي سأتنقل فيها بين محطات من مسيرة طالب العلم في الجزائر, الذي كان يقول لنا أحد أئمة المدينة و هو استاذ جامعي "كان الطالب الجزائري راغب علم, و لكنه الآن أصبح راغب علامة" .
سبق لي أن كتبت مقالا قاسيا بعض الشيء عن التعليم العالي في الجزائر سنة 2010, و وصفته بأنه مجزرة في حقّ العقول (رابط المقال بالإنجليزية ), و من نجى من تلك مجزرة إما هاجر للخارج أو أصبح رديئا عما كان يجب أن يكون. العديد ممن تناقشت معهم طول السنين في الموضوع يقولون لي: "لو كان ما تقول صحيحا لماذا يوجد العديد من الناس الناجحين؟ و هم نتاج المدرسة الجزائرية. هناك فلان في الناسا, و علّان باحث في مسرّع الجسيمات في سويسرا و هناك علان آخر لديه 500 براءة اختراع..." الخ من المغالطات أو الـfallacies (و هو الخطأ الفادح في الاستدلال المنطقي بالرغم من عدم وضوح بطلانه من الوهلة الأولى). هناك مغالطتان في مثل هذين الاستشهادين:
- المغالطة التزامنية: و تسمى في علم المنطق بـ post hoc ergo propter hoc أو بالانجليزية After this, therefore because of this. و هو ربط حدثين بعلاقة سببية, فقط لأن أحدهما حدث بعد الآخر. أعطيكم مثال بسيط كلنا مرّرنا به:
 يكون المصباح ينير عاديا, ثم يأتي أحد ما أو ضيف وحين يضغط على الزرّ لينير الغرفة يحترق سلك  التنغستن داخل المصباح فجأة, فننسب العطل مباشرة للسيّد فقط لأنه آخر واحد ضغط عليه. ليس هناك أي دليل على أنه السبب, فربما تزامن مع آخر فترة حياة المصباح أو ارتفاع غير متوقع في التيار الكهربائي, الخ من الاسباب, و لا يعني بالضرورة أنه هو المتسبّب في العطل.
- مغالطة الخلط بالأسباب: (Correlation does not imply causation) cum hoc ergo propter hoc و هي الحالة العامة للمغالطة الأولى, و هي الخلط بين العلاقة السببية Causal و العلاقة الارتباطية Correlation – و قد تكلمت عنها في مقالي السابق. و سأعطي مثالا بسيطا عن هذا. مثلا عندنا في الجزائر العديد ممن ينجحون في الباكالوريا يغرقون في البحر و هي ظاهرة ألاحظها منذ سنين, و لكن ليس من المنطق القول أن النجاح في البكالوريا سبب من أسباب الغرق و هذا لشيئين:
- أولهما أن نتائج البكالوريا تأتي في عزّ موسم الاصطياف (لا نسمع كثيرا عن شباب يغرقون في عطلة الشتاء),
-  ثم أنه يغرق العديد من الناس في البحر كل سنة و نسبة الناجحين في البكالوريا ما هم سوى أقلية من مجموع عدد الغرقى, و لكن بحكم العامل العاطفي للحادقة تثار هذه النقطة, فلن تسمع مثلا في الاخبار عن غرق شاب نجح في تكوين سياقة الرافعات.

ربما تتساءل عزيزي القارئ: و لكن ما علاقة الجرذان بالتعليم؟ لا تتعجل, ففكرة الجرذان ليست لي بل هو فصل من كتاب "البجعة السوداء" "The Black Swan: The Impact of the Highly Improbable" للكاتب "نسيم طالب" و لقد اندهشت لدقة مثاله في وصف حالة الجامعة الجزائرية عموما و المدارس العليا خاصة .سأترجم المقطع بتصرّف لكي تصلكم الفكرة:
النادي الصحّي للجرذان*
يقول نسيم طالب "عندما كنت في أوائل العشرينات من عمري و كنت لا أزال أقرأ الصحف, صادفت مقالا في "لنيويورك تايمز" يتكلّم عن تصاعد تعداد العصابات الروسية في أمريكا و أرجع الصحفي صاحب المقال سبب صلابة و وحشية أعضاء تلك العصابات لتجربتهم في الغولاغ (Gulag) و هي معسكرات العمل القسري التي أنشأها النظام الروسي القيسري في سيبيريا لمعاقبة المجرمين و المنشقين ثم من بعده النظام السوفياتي, و معظم المحتجزين لقوا حتفهم هناك. الخروج منه حيا كان كالمعجزة.
صلابة المجرمين بفضل الغولاغ؟؟ هذه الجملة تصدمني لكونها غير صالحة أولا و ثانيا أن العقل الجماعي يقبلها كاستنتاج منطقي صالح, و هذا خطأ يقع فيه حتى المتعلمون. لم أكن أدري آنذاك مدى خطئها. انها ترهات تختبئ من وراء ستار.
التجربة التالية ستبرهن عكس ذلك. افرض مثلا أنك قادر على جمع مجموعة متنوعة من الجرذان (الطويل و القصير و الغثّ و السمين و القوي و الضعيف, الخ), بجمع آلاف الجرذان يمكنك الحصول على مجموعة متباينة و معبّرة لمجموعة الجرذان التي تسكن مجاري مدينة نيويورك. تأخذ تلك المجموعة للمخبر ثم نبدأ تجربتنا. نعرّض الجرذان لمستويات متدرجة من الاشعاعات النووية. كلما زدنا في مستوى الاشعاعات, كلما بقي فقط من هو طبيعيا أقوى (و هذا هو المفتاح) بينما يموت من هو أضعف تدريجيا كلما ارتفع مستوى الاشعاعات, حتى ننتهي بمجموعة قليلة من "طويل العمر" أو الأقوى. بينما التجربة في استمرار, من هو قوي يضعف ايضا بسبب الاشعاعات, أي يضعف عمّا كان عليه قبل التجربة. لو تابع ملاحظ ذو قدرات تحليليه جيدة و متحصل على نقاط عالية في الجامعة ربما سيعتقد أن معالجتي في المخبر هو نادي صحّي ممتاز للجرذان و يمكن تعميمه على كل الثدييات. فمنطقه سيكون كالتالي:
إن هذه الجرذان من أقوى الجرذان في مدينة نيويورك ! فيسأله أحدهم, و ما هو القاسم المشترك بينهم, فيجيب, انهم قادمون من مخبر "نسيم طالب". سنحاول تطبيق هذه الخدعة على جريدة نيويورك تايمز, سنطلق هذه الجرذان في شوارع نيويورك و نخبر مراسل الجريدة المختص في أخبار القوارض , سيكتب مقالا مطولا يشرح فيه الديناميكيات الاجتماعية في أوساط الجرذان المحلية فيه مثل هذا المقطع "هذه المجموعة من الجرذان هي من تقود عصابات الاجرام في مجتمع القوارض, فهي حرفيا تسيّر الأمور هناك, و يعود هذا لصلابتهم بعد تجربة الدكتور نسيم طالب " انتهى الاقتباس.
سأحاول الربط بين القصة أعلاه مع واقع المدارس العليا. لا أحد ينكر أن المتخرجين من المدارس العليا بالجزائر من ابرز الطلاب في الوطن و لكن السؤال , لماذا؟ هل هو بسبب التكوين هناك أم بسبب المناهج الفعالة أو لكفاءة الأساتذة. من خلال تجربتي (6 سنين في المدرسة العليا للأعلام الالي) اتضّحت لي مع مرور الوقت كلّ هذه الترّهات و التفسيرات السطحية على شاكلة قصة الجرذان. هيا معي نغوص أكثر في الموضوع. تُرتّب الجامعات عادة حسب عدّة معايير (موقعها الالكتروني, عدد الأبحاث المنشورة. نسبة التحصيل العلمي, فرص التشغيل للطلبة مباشرة بعد التخرّج, السمعة العالمية, مستوى الأساتذة, الخ), أنا هنا سأهتم أكثر بالمنتوج ألا و هو الطالب.
المدارس العليا تطلب معدلات باكالوريا عالية من الطلبة للتسجيل بها (16 على الأقل ان كنت لا أزال أتذكر), فهي تستقطب النخبة و أفضل التلاميذ, و لكي لا يساء فهمي, من لم يتحصل على معدل عال في البكالوريا لا يعني في أي حال أنه ليس ذكيا كفاية (العديد من معارفي متفوقون في مجالاتهم مع أنهم أعادوا الباكالوريا مرة و مرات) لان البكالوريا ليست مقياسا مطلقا, و لكن من يتحصل على الباكالوريا بمعدل جيّد فهو بالتأكيد ليس غبيا أو متوسط الذكاء (اللهم ان غشّ كما هي العادة في السنوات الأخيرة). إذا المادّة الخام هي من أفضل المواد الخام, دعنا الآن نمرّ للمنتوج النهائي. من الـ350 طالبا الذين دخلوا , لا يتخرج في السنة أكثر من 180 من غير احتساب من يعيد السنة و السنتين و من يُقصى. من الـ350 تلميذا نجيبا لا ينجح سوى 50%, و من الـ50% معظمهم يذهب للخارج سيكمل دراسته هناك و لا يبقى في الوطن سوى 3 أصناف:
- الذي لم يذهب لأسباب أقوى منه,
-أو لظرف عائلي لا طاقة له به,
-أو المغرّر به.
 و هنا موضع اللبس. حجة الكثير أن العديد ممن يذهبون ينجحون ( دعني أهزّ بك أرضية الأمان هنا). أولا, نفس من نجحوا في الخارج كانوا فاشلين أو عاديين في المدارس العليا (و هم كثر), و ثانيا لا ينجح كل من يذهب للخارج نجاحا باهرا جديرا بقدراته و مستوى ذكائه, لعدة أسباب لا يسعني التعمق فيها كثيرا هنا,و اقتصر على بعضها:
 معظم من يهاجر يذهب لفرنسا, و هذا ليس لسواد عيوننا أو لذكاء الجزائريين الباهر, هذا لأن الدول الوحيدة في العالم التي تدرّس في الجامعة باللغة الفرنسية (على خلاف سويسرا و الدول التي كانت تابعة للإمبراطورية الفرنسية كبلجيكا, الخ, و طلبتها يدرسون في بلدانهم لا يأتون لفرنسا) هي الدول الافريقية المتخلفة, اذا المنافسة هي بين طلبة هذه الدول فقط ,و يلاحظ هذا في الشعب التقنية أكثر. فالجزائري درس باللغة الفرنسية في الجامعة فهي ليست غريبة عليه, و لكن اذا تعلّق الأمر بالدول الانجلوساكسونية أو ببرنامج بالإنجليزية فالحضور الجزائري ضئيل و متواضع. اذا المدارس العليا ليست هي السبب في نجاح الطلبة, بل بالعكس هي وسيلة لتكسيرهم (هناك حتى من فقد عقله و أعرف منهم اثنين), و قد تكلّم عن هذا الكاتب مالكولم غلادويل Malcolm Gladwell في كتابه " داوود و جالوت" David and Goliath: Underdogs, Misfits, and the Art of Battling Giants عن أثر الجامعات النخبوية على الطلبة المتفوقين, ففي دراسات (طويلة لا يسعني نشرها هنا, لمن يريد التعمق فانصحه بالكتاب) وجدوا أن المستفيدين هم الـ25% الأوائل, اما البقية بالرغم من انهم متفوقين و لكن المنافسة الشديدة تفقدهم ثقتهم بالنفس و تؤثر بالسلب على تحصيلهم الدراسي. نعود لموضوعنا, المدرسة العليا هي مثل الصائغ الذي تعطيه 350 ألماسة خام ليصقلها, فيفسدها و لا يعطيك سوى 180 في نهاية المطاف, ثم يأتيك أحد ما قائلا أن ذلك الصائغ بارع و قد صقل 180 ألماسة. هذه مغالطة! للأسف نحن ضحايا أحد أكثر المغالطات المنطقية شيوعا و التي يشرحها ببراعة أحد أبرز منظري الاقتصاد السياسي في القرن 19, المفكّر الفرنسي فريديريك باستيا Frédéric Bastiat في محاولته الشهيرة "ما نراه و ما لا نراه" " Ce qu'on voit et ce qu'on ne voit pas" أين ينتقد قصر نظر صناع القرار الذين لا يدخلون في الحسبان الآثار التي لا نراها لقراراتهم. و لو أسقطنا على واقعنا فكرة فريدريك باستيا مثلا على واقع انجازات الرئيس. عندما ينفق 18 مليار دولار على طريق اهترئ في سنتين, ما يراه الناس هو طريق تمتد من الشرق للغرب و تجدهم يهللون و يصفقون للإنجاز, و لكن ما لا يرونه هو أن نصف الـ18 مليار  (7 ملايير حسب الخبراء) كانت كافية لاستكمال المشروع بالمعايير الدولية, و ما لا يرونه هو أن المال ليس من جيبه يتكرم به علينا بل مال الريع النفطي و مال الشعب و الضرائب, و ما لا يرونه أيضا هي الملايير التي لم تجد لها طريقا للتجسد على أرض الواقع و ذهبت في حسابات سويسرية أو Offshore و هذا ما أسميه أنا "الحسور الذهني" أو "The Mental Myopia".
الكلام عن الطريق السيار يبدأ عند الدقيقة الثانية و 36 ثانية (02:36)




هناك مثال آخر, يمكن القول أنه يشبه مثال نسيم طالب كثيرا و لكن ليس بإسهاب. هب أن لديك 1000 إنسان, حقنتهم كلهم بفيروس T-Virus القاتل (من سبق له أن لعب Resident Evil يعرف عمّا أتكلّم), يموت مثلا 900 و ينجو 100, هؤلاء الـ100 سيكونون حتما أشخاصا ذوي مناعة قوية إن لم تكن خارقة, و لكنّ السؤال هو: هل الفيروس هو سبب قوتهم؟ للأسف, الـ900 ماتوا, لا يمكنهم الإجابة.
خلاصة القول في هذه النقطة, الجزائريون ليسوا عباقرة, هم غيرهم كباقي الشعوب, هناك الذكي و الغبي, الفرق أن الناجح عندنا ينجح بتوفيق الله أولا ثم بقدراته الشخصية و مجهوداته الذاتية, و أي نجاح يحسب له أولا ثم لمن ساهم في تكوينه بإخلاص ابتداء من عائلته الى اساتذته المخلصين و لما لا بعض الاداريين الصالحين, و لكن المعوّقات أكثر من المحفزات, و هذا ما ينقلنا للنقطة التالية.

مشوار الطالب الجزائري و رحلة السلمون
المثال الذي كنت استشهد به عادة لكي أشبّه مسيرة الطالب الجزائري هي حصّة ألعاب كنا نتفرجها في طفولتنا, وهي "حصن السيّد تاكيشي" و من نسيها هذا رابط الفيديو

هو برنامج مسابقات ألعاب جسدية ياباني اين يشارك عدد كبير من المتسابقين, ويحاول فريق المتسابقين اجتياز مراحل كبيرة من الموانع والعقبات و يتلقون دفاعا من أصحاب الحصن فيما تتناقص أعدادهم مع استبعاد الخاسرين عبر كل مرحلة، ليصل في نهاية المطاف أصلبهم عودًا وأكثرهم تصميمًا إلى المرحلة الأخيرة لينافسوا السيد طاكيشي وأعوانه، حيث يتحدّد مصيرهم إما بالفوز أو الخسارة في كل حلقة، والتي يصل إليها فئة قليلة من المتسابقين. أوجه الشبه هو أن المتسابقين هم الطلبة, و المدافعين عن الحصن وواضعي العراقيل و الحواجز هم الأساتذة أو سدنة المعبد.

رحلة السلمون: بكل بساطة رحلة الشاب الجزائري في طريق النجاح و تحقيق الذات, هو كرحلة سمك السلمون الذي يولد في النهر ثم يقطع مئات الكيلومترات للمحيط ليعيش و يتزاوج هناك, ثم يعود ليبيض في المكان الذي ولد فيه في أعلى النهر, و في رحلة العودة يموت معظمه في  شباك الصيادين أو بين فكي القرش أو التحطم على الصخور بسبب التيار المعاكس أو الافتراس من طرف الدببة المترصدة له عند الشلالات, لا يصل منهم لمبتغاه سوى "طويل العمر"

salmon life cycle
                                              -- دورة حياة سمك السلمون --
مصدر الصورة: http://galleryhip.com/salmon-life-cycle.html

bears_&_salmon
            -- دببة تترصّد أسماك السلمون في رحلة عودتها لمكان ولادها في أعلى النهر --

لغة التعليم
أحد أكثر النقاط أهمية عندي, و التي تناقشت فيها مع العديد من الجزائريين و لكن معظمهم لا يقدر حجم الكارثة, لأنها ببساطة تقع في المغالطة التي تكلّم عنها الاقتصادي فريديريك باستيا في " ما نراه و ما لا نراه". العديد من الناس يتحجّجون أن هناك العديد من الطلبة من هم الآن أطباء و مهندسين و ..و.. و لكن ما لا يرونه هو عدّد الضحايا, من النوابغ (من دون مبالغة, و عرفت منهم الكثير وهم الان بطّالون و لم يكملوا دراستهم الجامعية) الذي سقطوا في الطريق, ماذا لو لم تكن اللغة عائقا؟ كم كان سيكون لدينا الان من متعلمين و اطارات؟ و لكن ما ألاحظه في الناس أن معظمهم يتكلم عن أنانية, فالذي يتقن الفرنسية يحسب أن كل الناس يتقنها و من يجهل الانجليزية يحسب كلّ الناس يجهلها مثله( فيعطيك أعذارا من شاكلة: اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب أوالمشكل هو نظام التعليم و ليس لغة التعليم و أننا لسنا جاهزين للانتقال للانجليزية بعد, الخ من الأسباب الذاتية التي ليس لها أي أساس علمي أو منطقي)   , فتراه يغلّب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة, ثم تراهم يشتكون ممارسات السلطة و النظام ! لهذا أنا لا ألوم من لا يريد أن يتغيّر شئ في البلاد من المسؤولين لكي لا تضيع مصالحهم الضيقة, بل ألوم من يدعي الاصلاح, و لكن لا يريد التضحية بقليل, فيريد للبلاد أن تتغير من أجله, و ليس أن يتغيّر هو من أجل البلاد. أنا على المستوى الشخصي ليست لدي مشاكل مع اللغات, بل بالعكس كانت دائما محط اهتمامي ( أتكلم اربع لغات و أتعلم دائما), و أحد الأعذار التي طالما ازعجتني هي "اللغة ليست مهمة هي وسيلة اتصال فقط", اجابتي هي :"نعم, أوافقك الرأي, لكن هيا أرميك في قسم يدرّس علم الحشرات الاستوائية في الفليبين باللغة التاغالوغية و سنرى شطارتك, و هل اللغة مجرّد وسيلة للتواصل!"
 الموضوع هذا لوحده يحتاج لكتاب, و لكن سأحاول تناوله في مقال لوحده لا حقا, و أكتفي باقتباس من مقالي السابق, و هي قصة "فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد" التي لخصت فيها مشكل لغة التعليم في الجزائر, و التي طالما ساعدتني في توصيل فكرتي في هذا المجال:
[قصّة فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد]
وُلد الفأر الصغير "بينكي" في وسط قفص عائلة متواضعة, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي حين بلغ سن الـ6 أشهر ذهب لمدرسة مخبر العم بوزيد (الذي يستعمل الفئران الصغار في تجاربه) . في عائلة بينكي يتحدثون لغة الكوباي الهجينة و التي لا تشبه لغة الفئران الرسمية, حيث هي عبارة عن هجين بين لغة الفئران و كلمات من لغة القطط التي كانت تحتل بلاد ميكي. و كغيره من الفئران في بلاد ميكي تدرج بينكي في مقامات التعليم الرسمي, لمدة 12 شهرا اكتملت فيها قدراته اللغوية و أتقن لغة الفئران الرسمية بحيث أصبح رصيده اللغوي يمكنه من فهم المصطلحات و المفاهيم المعنوية و مناقشة المواضيع الفلسفية. و تعلّم أيضا البعض من لغة القطط و القليل من لغة الكلاب, في عالم يحكمه الكلاب ( لأن الذئاب حطّمت القطط في حرب حيوانية عالمية و لم ينقذ القطط سوى الكلاب).و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, كان بينكي يحلم بتطوير بلاد ميكي المتخلفة, فأراد الذهاب لجامعة الفئران ليتعلم الهندسة, و لكنه صدم لأنه وجد أن اللغة المستعملة في الجامعة هي لغة القطط, و لكن هذا لم يثنه عن غايته النبيلة, فعوض أن يهتم بالتحصيل الدراسي فقط اضطر لإتقان لغة القطط أيضا, لأنه بعد 5 أشهر سيتخرج, و لكن بالرغم من تعلمه لغة القطط فان 5 اشهر من تعلمها سمحت له بأن يكون له رصيد لغوي كرصيد قط ذو 5 أشهر (بينما هو يبلغ من العمر 23 شهرا!). 
تخرّج بينكي, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, بدأت رحلته في البحث عن العمل, و لكنه اندهش لأن معظم الشركات يشترطون عليه: 1-اتقان لغة القطط, لأن القطط هم الزبائن/المستثمرون المفضلون في بلاد الفئران, و  2-ورقة تثبت أنه أمضى شهر و نصف في الخدمة الميكية ( أين يجمع عدد كبير من الفئران الشابة في قفص كبييير للقيام برياضة الدوران في العجلة و تقشير البطاطا) فعدل عن رأيه و أراد استكمال دراسته, فتقدّم لمسابقة الماجستير, بعد ايام من المراجعة استطاع انتزاع المركز الأول في قائمة المتسابقين بمعدل 9. و لكن المشكل هذه المرة طُلِبَ منه تعلم لغة الكلاب لأنه سيضطر في البداية لترجمة أبحاث باقي الحيوانات في الغابة( لأن كل الحيوانات تعتمد لغة الكلاب في نشر ابحاثها) ثم لينشر أبحاثه هو أيضا في علم القبار و الكالكير ليستفيد منها المجتمع العلمي الحيواني العالمي ... ."
الفأر: شاب جزائري
لغة الفئران: العربية و الأمازيغية
لغة القطط: الفرنسية
لغة الكلاب: الإنجليزية
أي أن الشاب الجزائري يمضي وقته في تعلّم اللغات أكثر من التحصيل العلمي, و اللغة هي ليست غاية لذاتها هي وسيلة لتحصيل المعارف و نافذة مفتوحة على ثقافة و رصيد حضاري مغاير. و طالما أقول: أننا نقضي اوقاتنا في معالجة المشاكل الوهمية عوض المشاكل الحقيقية. فالرصيد اللغوي يلعب دورا هاما في قدرة الفرد على استيعاب المفاهيم و التواصل, فمثلا لو تفرجت على استطلاعات الرأي في الشوارع الجزائرية على القنوات نادرا ما ترى شابا يعبّر عن رأيه في أفكار متسلسلة و مدعمة بشواهد و أمثلة و بلغة سليمة و واضحة, بينما لو تشاهد كيف يعبّر مراهقون في قنوات غربية عن آرائهم فتجد فرقا بين الاثنين.
خرافة مجانية التعليم:
أحد أكثر الخدع التي انطلت علينا لعقود هي مجانية التعليم في الجزائر و لكن الحمد لله هناك انترنت فتحت لنا عيوننا. العديد من الدول تمنح تعليم مجاني و أنظمتها تعدّ الاحسن في العالم, و منها فلندا و الدنمارك و النرويج و فرنسا و سويسرا و المانيا, الخ. بل و يمنحون حتى اعانات مالية للطلبة.




و لكن قد يقول لك البعض: و لكن الدراسة و الأكل و السكن الجامعي في الجزائر مجانيين تماما! بينما تدفع في الدول الأخرى من أجل هذا؟  ما لا يفهمه هذا الصنف من الناس (الذين يعانون من الحسور الذهني) أن في الدول التي ذكرتها, الدولة هي من تعطي المال مباشرة للطالب و هو حر في اختيار الاقامة الجامعية و المطعم, الخ, فلا يكون هناك وسائط و منه استحالة نهب الأموال في طريقها لمستحقيها, على عكس الجزائر أين تصرف الدولة أمولا طائلة من غير الوصول لمستحقيها.

إجابتي هي في النقاط التالية, و سآخذ فرنسا كمثال من غير إطالة:
- العملة: العديد من الجزائريين حتى حين يذهبون لأوربا يتعاملون مع الأورو كأنه 100 دج فيقول لك المعيشة غالية لأن فنجان قهوة بـ100 دج بينما في الجزائر 20دج فقط, و لكن ما لا يرونه هو أن 1 يورو يعادل 10 دج بالنسبة لمستوى معيشة الأوربي.
- السكن: في فرنسا الاقامات الجامعية تجدها عادة بين الـ180 حتى 400  يورو في الشهر قد تزيد أو تنقص, ثم مع صندوق الاعانات الاجتماعية, الدولة تدفع 50% من مبلغ الكراء, و يمكن للطالب أن يذهب ليكترى شقة في مكان آخر, فهو غير مربوط بالاقامات الجامعية.  في الجزائر المبلغ رمزي, و لكن لن أحدثكم عن حالة الاقامات من نقص النظافة و رداءة مواد البناء و انعدام الانترنت (التي أصبحت أكثر من ضرورية) و انقطاع الماء و التدفئة الخطيرة بالغاز أوبالمقاومات, بالرغم من أن الدولة تصرف عى الطالب ربما حتى 30.000 دج في الشهر, و لو أعطي له هذا المبلغ و خُيّر فأتحداكم ان بقي أحد في تلك الاقامات.
- اﻷكل: الوجبة التي يقول عنها البعض مجانية هي 1.2 دج و هو الثمن الحقيقي لها, فصحن به خبز قديم و سمك لا أدري من أين اصطادوه و حبتي جبن من غير علامة تجارية و شريحتي كاشير مجهول المصدر لا يمكنها تجاوز عتبة الـ2دج. في فرنسا بـ3.15 يورو (هي بالنسبة للطالب الفرنسي كالـ31.5دج للطالب الجزائري) الوجبة بها طبقين أساسين + نوع من أنواع اللحم (دجاج, سمك, الخ)+ طبقين صغيرين قد يكون تحلية كالياؤورت أو فاكهة أو جبن, على اخيار الطالب.

لو طبقنا فكرة "فريديريك باستيا" على موضوع الأكل في الجامعة :
ما نراه: وجبة غذائية بـ1.2 دج (و هو الثمن الحقيقي لها) بعد أن نهب منها المسؤولون قبل أن تصل لفم الطالب
ما لا نراه: الوجبة التي يمكن توفيرها بالثمن نفسه الذي تنفقه الدولة على الطالب لو لم تكن هناك سرقة و نهب


من المؤسف أن أجد نفسي أتكلم عن اﻷكل, و لكن فقط لكي أردّ على من لا يزال لا يعرف الفرق بين حقّه و بين حلمه.

-حقوق التسجيل: في الجامعات الفرنسية التابعة للدولة تكون في حوالي الـ500 يورو للسنة و يمكن للطالب بعد ذلك استرجاعها بدفع ملف عند المساعدة الاجتماعية للجامعة. و لن أتكلم عن الفرق في الوسائل المتحة للطالب عندهم, من قاعات و مخابر حديثة و مكتبات مجهزة, الخ.

- النقل: في فرنسا يدفع الطالب نصف الاشتراك الشهري للنقل (في حالتي 26 يورو أي كأنها 260دج و تختلف من مدينة لاخرى), و بطاقة النقل صالحة في كلّ وسائل النقل في المدينة من حافلة و ميترو و على مدار الساعة و ليس النقل الجامعي لتحكوت فقط. ناهيك عن أن الطلبة يدفعون تقريبا نصف مبالغ تذاكر القطار و النقل في كل البلاد.

- الثقافة: هذه لا توجد في الجزائر, أو على الأقل لم اعرفها يوما. في فرنسا مثلا معظم المناطق الأثرية و المتاحف (ان لم تكن كلها) التي تعجّ بها البلاد مجانية للطلبة أو الشباب الأقل من 26 سنة, ناهيك عن القسائم التي تعطى للطلبة موسميا لدخول التظاهرات الثقافية من معارض و حفلات و مسارح و قاعات سينما, رغما من أن السينما تمنح للطلبة تخفيضات.

الصحة: بالاشتراك في بداية السنة التأمين الصحي بـ70% ثم يمكن دفع ملف للضمان الاجتماعي لتغطية تكاليف الدواء و العلاج 100%, و لن أتكلم عن مستوى الرعاية التي تجعلك تشفى فقط من حسن المعاملة و الاستقبال. بينما لو مرضت في الجزائر في الاقامة فكما نقول في العامية 'أكلك بوبي', و أذكر باختصار يوم مرضت في الاقامة الجامعية في أحد الايام الممطرة ليلا, أخذني رجال الحماية (لأن سيارة الاسعاف أخذها هواري الاقامة ليسهر!) لمستشفى زميرلي في الحراش على الساعة ثانية ليلا, ثم تركوني هناك في الاستعجالات, لم أجد احدا بل ذهبت ﻷطرق الباب و أوقظ الطبيبة التي كادت تصيح في وجهي لانني افسدت لها نومها, المهم قصة طويلة عوملت فيها كحيوان, في الأخير لأجد نفسي -مع صديقي الطاهر الذي رافقني- نمشي تحت المطر بملابس النوم و نبحث عن سائق "كلونديسان" ليوصلنا للاقامة مع ألم زاد! ليلة لن أنساها...
ربما خرجت عن الموضوع  قليلا و لكن أردت فقط أن أوصل فكرة للناس الذي يحسبون أن الكواكب تدور حولهم, أن ما لا ترونه موجود, و أنّ جهلكم بالشئ لا ينفي وجوده, و أدعو لهم أن لا يمرضوا يوما في اقامة جامعية.

نعود للتحصيل العلمي, يحق لكلّ انسان أن يتساءل, كم ترتيب نظام الجزائر التعليمي في العالم؟
الجواب محزن:

education

و لمن يريد الاطلاع أكثر عن التعليم في فلندا: 

أتوقف عند هذا الحدّ, لأن الموضوع يطول و يتشعّب و سأحاول في المرات القادمة تقديم تصوّرات عن حلول و عدم الاكتفاء بالانتقادات فقط, لأننا في مفترق طرق. إما أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا و نتدارك اخطاءنا و نبني منظومة تعليمية حديثة قادرة على المنافسة عالميا, مبنية على خصوصيات مجتمعنا و هويته, و إما أن نبقي مسوخا و النتيجة في الفيديو أدناه:

"أستاذ يقسم الأصفار"



في الأخير, المقال ليس لتثبيط العزائم و أو لجلد الذات, بل بالعكس, هو قطرة من فيض لوضع الأصبع على الجرح, و معالجة المشكل الحقيقي من مصدره لا مظاهر المشكل. فأحد أسباب تخلفنا كبلاد و أمة هو عدم اعترافنا بمشاكلنا, كالمريض الذي يرفض الذهاب للطبيب لأنه لا يعترف بأن لديه ورم أو مرض خبيث, الى أن يموت. الاعتراف أول خطوات العلاج و ممارسة النقد الذاتي أساس كلّ مجتمع سليم.






---------------------------------------------------------------------------
* A Health Club for Rats, by Nassim Nicholas Taleb, in “the Black Swan: The Impact of the Highly Improbable”
--- "تجارب رائدة في التعليم والتدريب: تجربة فنلندا" د. هلال بن محمد العسكر
http://www.al-jazirah.com/2010/20101223/ar4.htm
--- أقل ساعات دراسة ولا دروس خصوصية والمعلم يحمل «الماجستير»التعليم الفنلندي.. ارتضى أبسط وأقصر الطرق فوصل إلى القمة . المصدر: طرف نعمة
السبت، 15 مارس 2014

لا نحتاج للتعريب في الجزائر, بل نحتاج لإزالة الفَرنَسَة (أو الفَرنَجَة)

السلام عليكم و رحمة الله,
موضوع اللغة العربية في الجزائر لطالما أثار الجدل, و شكلت سياسة التعريب المنتهجة من وقت بومدين مشاكل عدّة نجني ثمارها لليوم.

kateb yacine











        خلال مشواري الجامعي المفرنس لاحظت تدهور مستواي اللغوي في العربية (كان التعبير الكتابي من أحد نقاط قوتي خلال مسيرتي الدراسية), و كانت نقطة التحوّل في الرؤية و المنهج بعد مشاركات لي في دورات تدريبية و نشاطات علمية, داخل و خارج البلاد, بحيث أصبحت أرى أشياء لم أكن ألاحظ أهميتها و أنا أعيش في قوقعتي.
في السنين الأخيرة أصبحت أهتمّ بالتوطين و دعم اللغات المحلية, و خاصة العربية بحكم أنها لغتي, و من خلال نشاطاتي في الجزائر و بعد حوارات متعددة و نقاشات طويلة وجدت أن هناك من الإخوة الامازيغ و خاصة القبائل لهم حساسية من هذه الكلمة (أي كلمة التعريب),وجدت منهم اختلافا كبيرا في الآراء فمنهم من يقول "نحن أمازيغ عربنا الاسلام" و منهم من يقول لا نحن مسلمون و لا عرب, و على العرب أن يحملوا حقائبهم و يعودوا لنجد أو اليمن, الخ. كلامي لن يعتني بهذا الجانب, و لن أتكلم عن ماهية الهوية العربية التي هناك من يقول أنها هوية لسان أي أن من تكلّم العربية أصبح عربيا و هناك من يقول أنها عِرق و دمّ.
رؤيتي للموضوع هو من زاوية أخرى, أنا شخصيا أرى أن التجانس الايديولوجي (دولة ذات أغلبية سنية و أقليات اخرى) و الاختلاف العرقي ثروة هائلة للجزائر بل و أحد أسباب محافظة شعبها على هويته بالرغم من حكم العثمانيين و الاحتلال الفرنسي الذي طيلة 130 سنة حاول طمسها, والتي يجب عليناالآن  الاتحاد لكي نحافظ عليها لأن التحديات الآن أكبر من أي وقت مضى.
هذا الموضوع يشغل حيّز تفكيري كثيرا, و ما خلصت له مؤخرا أننّي اتفق معهم لحدّ كبير و سبب عدم انتباهي للأمر أنني كنت أرى من منظوري الشخصي. أي بالنسبة لي العربية هي لغتي و هويتي, و بالدفاع عن العربية (أو التعريب كما كنت أقول) فهمها بعض الامازيغ تهديدا لهويتهم الأمازيغية كأن التعريب يعني طمس الهوية الأمازيغية, بينما أنا كنت أقصد شيئا آخرا ألا و هو أن التهديد هو الفرنسة التي عرّابوها هم الفرانكوفيليين (و ليس الفرونكوفونيين لأنني أعتبر نفسي فرونكوفوني, و لست ضدّ اللغة الفرنسية أبدا, بل بالعكس, أنا من أكثر المشجعين على تعلم اللغات الاجنبية و اتقانها) الذين يجعلون من الفرنسية لسانا و هوية و ثقافة, و بحكم تواجدي في فرنسا حاليا للدراسة أكاد أجزم انهم أكثر فرنسية من الفرنسيين أنفسهم, فيصدق فيهم كلام “الحاج مالك شباز” المعروف بمالكولم ايكس MalcolmX عن الـHouse Negro  و هو العبد الذي يحرص على سيده أكثر مما يحرص السيد على نفسه, و الشعب المغلوب على أمره كالـField Negro  و هو الذي ليس لديه ما يخسره.


هناك ثلاث انعكاسات للفرنجة في بلادنا تحضرني الآن, و هي التي تقسّم مجتمعنا و تنخره, و منه استلزام مواجهتها:
- تعزيز مكانة الأوليغالرشية (الأقلية الحاكمة) : الموالية لفرنسا و يدها في الجزائر و ظهور طبقة برجوازية كالفطريات حولها, و هم الناس المستفيدون من خيرات البلاد و الريع النفطي, حياتهم من نادي الصنوبر لحيدرة و من سيدي يحي للهواري بومدين و منه للـChamps-Elysées, يعيشون في بروجهم العاجية, عندهم الجزائر جنة الله في الأرض كما قالها يوما الوزير السابق بركات و كما قال وزير التضامن يوما "لا يوجد فقير في الجزائر" الذي فكرني في قصة ماري انتوانيت حين تظاهر الشعب امام القصر الملكي بالفيرساي فقيل لها " ان الشعب جائع ليس لديه خبز" فأجابت: "اذا لم يكن لديهم خبز فليأكلوا الفطائر !", أبناؤهم يدرسون في المدارس الفرنسية الخاصة,  ثم يكملونها في جامعات فرنسية مرموقة ثم يعودوا لوراثة آبائهم, لا خدمة وطنية لا هم يحزنون.
- تعميق الهوة الفاصلة بين النخبة و العامة: لغة التعليم العالي في المجالات العلمية معظمها مفرنس, بالتالي المتخرجون عادة ما يميلون للفرنسية لغة تعليمهم بدرجات, من المتشبّع الى المتنصّل, منهم من كانت الفرنسية سبب تفوقه على اقرانه بسبب عدم مواجهة مشاكل لغوية و منهم من هي سبب إهتمامه بتحصيل اللغة أكثر من تحصيل العلم. من الجهة الأخرى, العلوم الانسانية تُدرَّس بالعربية, و نرى هذا التباين مثلا بين الجرائد الناطقة بالفرنسية و نظيرتها العربية, أجد فرقا كبيرا في الاحترافية و في طريقة معالجة الأخبار و التحليلات, فالأولى نخبوية و الثانية شعبوية . المفرنسون عادة موجهون وجوههم شطر الضفة الأخرى للمتوسط, مما يتيح لهم القدرة على مواكبة التخلّف الفرنسي عن التقدّم العالمي (الذي هو بعض العقود) بينما المعربزون (أي الذي يكره الفرنسية عن جهل, و يدافع عن العربية عن عجز على الإلمام باللغات الاخرى, فهو ينتصر لذاته لا غير) يواكب التخلف العربي بقرون و مشبع بدجل الفضائيات و متقوقع على ذاته إلا من رحم ربك من المتنورين و ممن يبذل جهدا في مجاله. النقاش بين هاتين الطبقتين جدّ صعب, و ما نراه في الشبكات الاجتماعية من مشاداة خير دليل, ناهيك عن مظاهر أخرى لا يسعني ذكرها في تدوينة قصيرة.
    -تقهقر المستوى الثقافي و السنّ العقلي للطبقة المتعلمة (لكي لا أقول المثقفة, لأن ليس كل من ارتاد المدارس مثقف, و ليس كل مثقف حامل شهادة عليا, و هذا موضوع مقال آخر), بحيث أن الفرد الجزائري و أخص المتعلمين منهم له سنّ عقلي لمراهق أوربي (هنا أتكلم عن معظم المتعلمين أي نسبة 80%). ربما يغضب مني العديد من هذا الكلام, و لكنه ما لاحظته و جرّبته خلال سنين, و سبق لي أن كتبت عنه في شكل قصة ساخرة على الفايسبوك, هاهي في بضع سطور المسيرة التعليمة لفأر من الجزائر العميقة:


[قصّة فأر تجارب في مخبر عمي بوزيد]
وُلد الفأر الصغير "بينكي" في وسط قفص عائلة متواضعة, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي حين بلغ سن الـ6 أشهر ذهب لمدرسة مخبر العم بوزيد (الذي يستعمل الفئران الصغار في تجاربه) . في عائلة بينكي يتحدثون لغة الكوباي الهجينة و التي لا تشبه لغة الفئران الرسمية, حيث هي عبارة عن هجين بين لغة الفئران و كلمات من لغة القطط التي كانت تحتل بلاد ميكي. و كغيره من الفئران في بلاد ميكي تدرج بينكي في مقامات التعليم الرسمي, لمدة 12 شهرا اكتملت فيها قدراته اللغوية و أتقن لغة الفئران الرسمية بحيث أصبح رصيده اللغوي يمكنه من فهم المصطلحات و المفاهيم المعنوية و مناقشة المواضيع الفلسفية. و تعلّم أيضا البعض من لغة القطط و القليل من لغة الكلاب, في عالم يحكمه الكلاب ( لأن الذئاب حطّمت القطط في حرب حيوانية عالمية و لم ينقذ القطط سوى الكلاب).و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, كان بينكي يحلم بتطوير بلاد ميكي المتخلفة, فأراد الذهاب لجامعة الفئران ليتعلم الهندسة, و لكنه صدم لأنه وجد أن اللغة المستعملة في الجامعة هي لغة القطط, و لكن هذا لم يثنه عن غايته النبيلة, فعوض أن يهتم بالتحصيل الدراسي فقط اضطر لإتقان لغة القطط أيضا, لأنه بعد 5 أشهر سيتخرج, و لكن بالرغم من تعلمه لغة القطط فان 5 اشهر من تعلمها سمحت له بأن يكون له رصيد لغوي كرصيد قط ذو 5 أشهر (بينما هو يبلغ من العمر 23 شهرا!).
تخرّج بينكي, و كغيره من الفئران في بلاد ميكي, بدأت رحلته في البحث عن العمل, و لكنه اندهش لأن معظم الشركات يشترطون عليه: 1-اتقان لغة القطط, لأن القطط هم الزبائن/المستثمرون المفضلون في بلاد الفئران, و  2-ورقة تثبت أنه أمضى شهر و نصف في الخدمة الميكية ( أين يجمع عدد كبير من الفئران الشابة في قفص كبييير للقيام برياضة الدوران في العجلة و تقشير البطاطا) فعدل عن رأيه و أراد استكمال دراسته, فتقدّم لمسابقة الماجستير, بعد ايام من المراجعة استطاع انتزاع المركز الأول في قائمة المتسابقين بمعدل 9. و لكن المشكل هذه المرة طُلِبَ منه تعلم لغة الكلاب لأنه سيضطر في البداية لترجمة أبحاث باقي الحيوانات في الغابة( لأن كل الحيوانات تعتمد لغة الكلاب في نشر ابحاثها) ثم لينشر أبحاثه هو أيضا في علم القبار و الكالكير ليستفيد منها المجتمع العلمي الحيواني العالمي ... ."

الفأر: شاب جزائري
لغة الفئران: العربية و الأمازيغية
لغة القطط: الفرنسية
لغة الكلاب: الإنجليزية
أي أن الشاب الجزائري يمضي وقته في تعلّم اللغات أكثر من التحصيل العلمي, و اللغة هي ليست غاية لذاتها هي وسيلة لتحصيل المعارف و نافذة مفتوحة على ثقافة و رصيد حضاري مغاير. و طالما أقول: أننا نقضي اوقاتنا في معالجة المشاكل الوهمية عوض المشاكل الحقيقية. فالرصيد اللغوي يلعب دورا هاما في قدرة الفرد على استيعاب المفاهيم و التواصل, فمثلا لو تفرجت على استطلاعات الرأي في الشوارع الجزائرية على القنوات نادرا ما ترى شابا يعبّر عن رأيه في أفكار متسلسلة و مدعمة بشواهد و أمثلة و بلغة سليمة و واضحة, بينما لو تشاهد كيف يعبّر مراهقون في قنوات غربية عن آرائهم فتجد فرقا بين الاثنين.
بعد الاشارة لبعض مظاهر الفرنسة في الجزائر على حساب هويتنا الجزائرية بمكوناتها, و اقتصادنا الوطني (الذي هو تحت سيطرة للشركات الفرنسية و شركات البترول المتعددة الجنسيات و بعض رجال الأعمال الاحتكاريين) و تحصيلنا العلمي و رصيدنا الحضاري, الخ. أرى أنه من واجبنا أن نتحرّك لإنقاذ هويتنا, و علينا أن نتحّد لتحقيق هذا, و أن نخرج من الجدال العقيم و الحلقة المفرغة, و أول خطوة هو أن نتجرّد من الأفكار المسبقة و نحاول أن نفهم بعضنا البعض عوض كيل الاتهامات و ما لا يفيد.
الموضوع يطول و لا يمكننا التوقف عند هذا, و لكنني أؤكد مجددا انني لست ضدّ اللغة الفرنسية, نقول عنها "غنيمة حرب", و لكنني ضدّ مسخ هوية شعب تحت مسميات و اسباب واهية, و ان نعرف أن في عصرنا لا يوجد بديل على تطوير لغاتنا المحلية و التركيز على الانجليزية عوض الفرنسية, لأن غنيمة الحرب قد أُستُهْلِكَت و انتهت مدة صلاحيتها، و لهذا أدعو كل من وافقني في هذا الطرح (و كل من خالفني أن يتفضل مشكورا بالردّ و التوضيح) أن نستبدل كلمة "التعريب" بـ"إزالة الفرنسة", و أنا أعلم أنه شئ صعب لأنني مررت به شخصيا (أوله حرج -لاننا في مجتمع يخجل الانسان باستعمال لغته، فيكتب العربية بحروف لاتينية- , و ثانيه غرابة و ثالثه إقتناع و رابعه عمل و آخره جني نتائج), و سنجد أنفسنا مرغمين على ما لم نعتده, و لكن النضال من أجل أي فكرة يتطلب التضحية.
السلام عليكم و رحمة الله...


الخميس، 27 فبراير 2014

هل يا ترى نحن نعيش فصول روايات أورويلية؟

من أحد الكتاب المفضلين لدّي هو الصحفي و الروائي البريطاني George Orwell الذي يعتبر من فطاحلة الأدب الانجليزي لكل العصور, كيف لا و كتابه 1984 المصنف في قائمة الـ100 أعظم إنجاز أدبي في التاريخ! و لكن ما جعله يرقى لهذه المرتبة هي تنبؤاته التي نعيشها الآن و سألخصها في كتابيه:


  :Nineteen Eighty-Four الذي كتبه عام 1949 و فيه يتخيل انجلترا (التي اصبح اسمها Oceania) سنة 1984 كأنها دولة دكتاتورية تحكمها عصابة حزب “الشرعية الثورية” المسمّى “IngSoc” (الحزب الاشتراكي الانجليزي باللغة التي حرّفوها فأصبحت لغة جديدة اسمها Newspeak), و شعاراته هي:
-الحرب سلام; الحرية إستعباد; و الجهل قوّة.
“War is Peace; Freedom is Slavery; Ignorance is Strength.”
-من يتحكّم في الماضي يتحكّم في المستقبل, و من يتحكّم في الحاضر يتحكّم في الماضي.
“Who controls the past controls the future; who controls the present controls the past.”
يحكمهم الأخ الأكبر أو الـBig Brother (الذي لم يراه أحد من قبل, و يعرفونه سوى من بعض صوره) و هو القائد الذي يرى و يسمع كل شيئ في البلاد و لا يعرفون شيئا عنه (هل يذكركم بأحد ما؟) و الكثير من الكتاب و السياسيين يقتبسون الجملة الشهيرة من الكتاب “The big Brother is Watching You”


Animal Farm هي قصة تدور أحداثها في مزرعة حين تثور الحيوانات ضدّ مستعبدهم السيّد Jones و كان شعارهم “كل الحيوانات سواسية” (All Animals Are Equal), بقيادة أذكى الحيوانات و هما الخنزيران Snowball و Napoleon, و الوصايا التي خرج بها المجلس الثوري هي:
- كلّ من يمشي على رجلين فهو عدوّ
Whatever goes upon two legs is an enemy.
- كل من يمشي على أربع ارجل أو له أجنحة فهو صديق.
Whatever goes upon four legs, or has wings, is a friend.
- لا يجوز لأي حيوان ان يرتدي ملابس
No animal shall wear clothes.
- لا يجوز لأي حيوان النوم على سرير
No animal shall sleep in a bed.
- لا يجوز لأي حيوان شرب الكحول
No animal shall drink alcohol.
- لا يجوز لأي حيوان قتل اي حيوان آخر
No animal shall kill any other animal.
-كل الحيوانات سواسية
All animals are equal.
و لكن حينما إستقلّوا أراد Napoleon التفرّد بالحكم بينما أراد Snowball تعليم باقي الحيوانات و بناء طاحونة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. نظموا انتخابات و فاز Snowball و لكن Napoleon كان قد اتّخذ لنفسه حرسا خاصّا في السرّ مكوّن من 9 كلاب شرسة ربّاهم من صغرهم في عليّة (مخابراته الخاصة) و استعملهم للانقلاب على صديق دربه و جعل من نفسه القائد المطلق و كل من يعارضه يخوّن فإما يعتقل و إمّا يُعدم
بعد هروب Snowball اصبح Napoleon يقول عن كل فشل أو مصيبة أن سببها Snowball و أطراف خارجية, و أخذ بدوره في استغلال الحيوانات من جديد, و التشبه أكثر فأكثر بالبشر و مستعمرهم القديم و أخذ في تغيير الدستور شيئا فشيئا, و أصبح يمشي على قدمين و يشرب الكحول و يلعب بالورق, بينما باقي الحيوانات تعيش في فقر و حرمان , حتى فاق في استبداده المستعمر القديم, و أعاد علاقاته مع أسياد المزارع الاخرى من البشر…و في الأخير غيّر تماما من شعارات المزرعة لتصبح كالتالي
- أربعة ارجل, حسن. رجلان, أحسن.
-Four legs good, two legs better
كل الحيوانات سواسية، ولكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من الآخرين.
ALL ANIMALS ARE EQUAL, BUT SOME ANIMALS ARE MORE EQUAL THAN OTHERS. 
هذا فقط ما أتذكر من أفكار, فالكتابان ثريان بالمواقف المشابهة للتي نعيشها في عالمنا الآن, من تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية إلى الثورات في العالم العربي! 
الأربعاء، 5 فبراير 2014

قرأت لك Outliers: The Story of Success -- Malcolm Gladwell

السلام عليكم و رحمة الله,
قرأت العديد من الكتب خلال سنين, و لكني لم أعتن يوما بكتابة ملخصات, مما جعلني احيانا أقرا كتابا من جديد من غير فائدة (هناك شركات نشر تلخّص كتب لرجال الأعمال و يقول مؤسسها أنّ أي كتاب يمكن تلخيصه في أقل من 30 صفحة) بحيث أننا لا نتذكر سوى أهم الأفكار بعد مرور الوقت, لهذا سأشرع بحول الله بكتابة سلسلة "قرأت لك" (مستلهما الفكرة من صديقي الصحفي قادة الزاوي صاحب مدونة "قرأت لك" الحائزة على عدة جوائز) التي سألخص فيها أهم الأفكار في الكتب التي أطالعها و أضع التقييمات عنها على صفحتي في الشبكتين الاجتماعيتين الخاصتين بالقرّاء و محبي المطالعة, الأولى بالعربية abjjad.com و بالإنجليزية goodreads.com التي تساعدك على التعرّف على لأهم العناوين و قراءة مراجعات الأعضاء كذلك تكوين رفوف قراءة لتستطيع تتبع نشاطاتك و كذلك تتيح لك وضع أهداف لتحفيزك على المطالعة.

اليوم سأكتب مراجعة قصيرة عن كتاب انتهيت من قراءته هذا الصباح ألا و هو "Outliers: The Story of Success ".




كتاب "Outliners" أو "المعزولون" (لا أعتقد أن الترجمة دقيقة) يتناول فيه الكاتب الكندي Malcolm Gladwell أسباب النجاح, و التي يرجعها العديد بكل سذاجة للقدرات الشخصية أو الموهبة, يستدل الكاتب فيه بأحد أشهر الشخصيات و قصص النجاح في وقتنا المعاصر, و يتقصى الاسباب المباشرة بالتمحيص في السيرة الذاتية لهذه الشخصيات. الكتاب حقيقة غيّر نظرتي للعديد من الظواهر الاجتماعية التي لطالما تناولناها بسطحية و افكار مسبقة . هناك العديد من العوامل التي تصنع الشخص الناجح, ابتداء من تاريخ الميلاد و المواهب الفطرية مرورا بالأسرة و خصائص المجتمع و البيئة و اللغة الأم و التقاليد و الجهد وصولا للفرص. تبقى قاعدة الـ10.000 ساعة أهم شئ في النجاح, فمعظم الناجحين أمضوا 10.000 في التمرّن في مجالهم لكي يصلوا للإتقان, فموزارت مثلا استطاع أن يكتب سنفونيته في سن الـ21 ليس لأنه نابغة, بل لأنه يألف منذ كان في سن التاسعة, و بيل غيتس لم ينجح لأنه كان الأذكى, بل لأنه من المراهقين القلائل في العالم من توفر لهم حاسوب بالمدرسة المتوسطة سنة 1968 مما أتاح له التدرب على البرمجة لساعات يوميا, ثم تصادف ايضا أن سكنه كان قريبا عن الجامعة فكان يهرب ليلا ليدخل للجامعة و يبرمج من الـ3 للـ 5 صباحا ليعود للنوم فحين كان في جامعة Harvard لم يكن تقريبا من يجاريه خبرة في البرمجة. حتى Bill Joy أحد أكبر الاسماء في عالم الحاسوب الذي اعاد كتابة نظام التشغيل UNIX و أحد مؤسسي شركة Sun Microsystems و أحد مؤلفي لغة البرمجة JAVA, تصادفت سنة 1971 سنة دخوله للجامعة بسنة اقتناء جامعته ( Michigan University) لأحد أقوى الحواسيب آنذاك, مما أتاح له فرصة البرمجة, و كيف أنّ Bug في نظام التشغيل جعله يبرمج من غير توقف (كان للطلبة الحق في البرمجة لساعة واحدة في الأسبوع فقط) بحث أكمل نصاب الـ10.000 ساعة قبل دخوله جامعة Berkeley الشهيرة أين ذاع صيته كأبرز المبرمجين في العصر الحديث.
العديد من القصص تناولها الكاتب بطريقة علمية و مدعمة بأدلّة و إحصائيات, و لكنه على عكس ما يعيبه عليه ناقدوه ,لا يدعي حتمية وجود علاقات سببية بين ما ذكره و بين نجاح الشخصيات و الشركات التي تطرق لها, و لكنه أثبت أن هناك علاقة ارتباطية.
لا يسعني تلخيص الكتاب كله, و لكنني أنصح به كثيرا كلّ انسان يريد التخلّص من وهم الوصول لمعرفة أسباب النجاح (مهما كان نوع المجال) و التخلص من النظرة التبسيطية و السطحية لأسباب العديد من الظواهر الاجتماعية. هذا أهم ما جاء في الكتاب:

1 –علاقة تاريخ الميلاد بكفاءة اللاعبين في دوري الهوكي الكندي (معظم نجوم اللعبة ولدوا في الشهور الاولى للسنة, و السبب...تجدوه في الكتاب).
2- قصص نجاح Mozart و Bill Gates و Bill Joy و أثر قاعدة الـ10.000 ساعة و أهمية سنة الميلاد.
3- تاثير فقر و غنى الأسرة على التحصيل العلمي للأطفال و ثقتهم بالنفس (مستشهدا بقصة أذكى رجل في أمريكا و هو العصامي –لديه عامل ذكاء IQ أعلى من آينشتاين 195/210 و الفيديو بالرابط التالي - Christopher Langan و معاناته مقارنة بالفيزيائي الشاب آنذاك و مدير مشروع القنبلة النووية Robert Oppenheimer)
4- لماذا اليهود أنجح الاثنيات في امريكا بعد أن كانوا منبوذين؟ (العلاقة بين مهنة العائلة و نجاح الأولاد)
5- كيف يؤثر سن ميلادك على مشوارك؟ (الحظ الديموغرافي, حين تولد في جيل ما بعد الأزمة)
6- تأثير حرفة الأولياء في نجاح الأولاد( صناعة الألبسة كمثال لنجاح أبناء المهاجرين اليهود من أوربا الشرقية)
7- تأثير مهنة و ثقافة الأسلاف لقرون على نسبة الجريمة و مزاج الأشخاص (الفرق بين الجنوب و الشمال الأمريكي في العقليات و التعامل مع الغضب حسب أصل الأجداد).
8- تأثير اللغة و الثقافة على الشركة الكورية للطيران , و كيف تحولت من أحد أسوء خطوط الطيران (بأحد أعلى نسب حوادث تحطّم الطائرات) الى أحد أحسن 3 شركات طيران عالمية.
9- علاقة الزراعة في منطقتك مع نتائج امتحان الرياضيات؟ (الفارق بين الدول التي تنتج الأرز و القمح في امتحانات الرياضيات)
10- علاقة اللغة بقدراتك الرياضية و الحساب (اللغات التي بها اسماء قصيرة للأرقام بها احسن معدلات الرياضيات في العالم كاليابان و كوريا و التايوان و الصين )
11- كيف استطاعت مدرسة KIPP تخريج أحسن الطلاب في أمريكا بالرغم من نشاطها في أفقر منطقة في مدينة نيويورك و انعدام أي انتقاء أولي للطلبة؟ (نظام التعليم الذي يحوّل اي طالب لناجح مهما كانت ظروفه قاسية)
12- قصة نجاح جمايكية ( يروي فيه الكاتب قصة نجاح أمه الكاتبة من أصول جمايكية و كيف ساهمت أعمال شغب في حصولها على منحة امتياز لبريطانيا).
في الأخير, شكرا على القراءة و يسرني أن نتبادل الأفكار حول المواضيع المثارة في الكتاب لكل من قرأ (أو ينوي قراءة) الكتاب. أما الآن فأنا مع كتاب الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد الدكتور Daniel Kahneman بعنوان Thinking, Fast and Slow
السلام عليكم و رحمة الله...